فصل: قال أبو السعود:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال أبو حيان:

{قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا (56)}.
قال ابن مسعود: نزلت في عَبدةَ الشياطين وهم خزاعة أسلمت الشياطين وبقوا يعبدونهم.
وقال ابن عباس في عزير والمسيح وأمه، وعنه أيضًا وعن ابن مسعود وابن زيد والحسن في عبدة الملائكة وعن ابن عباس في عبدة الشمس والقمر والكواكب وعزير والمسيح وأمه انتهى.
ويكون {الذين زعمتم من دونه} عامًا غلب فيه من يعقل على ما لا يعقل، والمعنى أدعوهم فلا يستطيعون أن يكشفوا عنكم.
الضر من مرض أو فقر أو عذاب ولا أن يحوّلوه من واحد إلى آخر أو يبدلوه.
وقرأ الجمهور: {يدعون} بياء الغيبة وابن مسعود وقتادة بتاء الخطاب، وزيد بن عليّ بياء الغيبة مبنيًا للمفعول، والمعنى يدعونهم آلهة أو يدعونهم لكشف ما حل بكم من الضر كما حذف من قوله: {قل ادعوا} أي ادعوهم لكشف الضر.
وفي قوله: {زعمتم} ضمير محذوف عائد على {الذين} وهو المفعول الأول والثاني محذوف تقديره زعمتموهم آلهة من دون الله، و{أولئك} مبتدأ و{الذين} صفته، والخبر {يبتغون}.
و{الوسيلة} القرب إلى الله تعالى، والظاهر أن {أولئك} إشارة إلى المعبودين والواو في {يدعون} للعابدين، والعائد على {الذين} منصوب محذوف أي يدعونهم.
وقال ابن فورك: الإشارة بقوله بأولئك إلى النبيين الذين تقدّم ذكرهم، والضمير المرفوع في {يدعون} و{يبتغون} عائد عليهم، والمعنى يدعون الناس إلى دين الله، والمعنى على هذا أن الذين عظمت منزلتهم وهم الأنبياء لا يعبدون إلاّ الله ولا يبتغون الوسيلة إلاّ إليه، فهم أحق بالاقتداء بهم فلا يعبدوا غير الله.
وقرأ الجمهور: {إلى ربهم} بضمير الجمع الغائب.
وقرأ ابن مسعود إلى ربك بالكاف خطابًا للرسول، واختلفوا في إعراب {أيهم أقرب} وتقديره.
فقال الحوفي: {أيهم أقرب} ابتداء وخبر، والمعنى ينظرون {أيهم أقرب} فيتوسلون به ويجوز أن يكون {أيهم أقرب} بدلًا من الواو في {يبتغون} انتهى.
ففي الوجه الأول أضمر فعل التعليق، و{أيهم أقرب} في موضع نصب على إسقاط حرف الجر لأن نظر إن كان بمعنى الفكر تعدّى بفي، وإن كانت بصرية تعدّت بإلى، فالجملة المعلق عنها الفعل على كلا التقديرين تكون في موضع نصب على إسقاط حرف الجر كقوله: {فلينظر أيها أزكى طعامًا} وفي إضمار الفعل المعلق نظر، والوجه الثاني قاله الزمخشري قال: وتكون أي موصولة، أي يبتغى من هو أقرب منهم وأزلف الوسيلة إلى الله فكيف بغير الأقرب انتهى.
فعلى الوجه يكون {أقرب} خبر مبتدأ محذوف، واحتمل {أيهم} أن يكون معربًا وهو الوجه، وأن يكون مبنيًا لوجود مسوغ البناء.
قال الزمخشري: أو ضمن {يبتغون} {الوسيلة} معنى يحرصون فكأنه قيل يحرصون أيهم يكون أقرب إلى الله، وذلك بالطاعة وازدياد الخير والصلاح، فيكون قد ضمن {يبتغون} معنى فعل قلبي وهو يحرصون حتى يصح التعليق، وتكون الجملة الابتدائية في موضع نصب على إسقاط حرف الجر لأن حرص يتعدى بعلى، كقوله: {إن تحرص على هداهم} وقال ابن عطية: و{أيهم} ابتدأ و{أقرب} خبره، والتقدير نظرهم وددكهم {أيهم أقرب} وهذا كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: فبات الناس يدوكون أيهم يعطاها، أي يتبارون في طلب القرب.
فجعل المحذوف نظرهم وودكهم وهذا مبتدأ فإن جعلت {أيهم أقرب} في موضع نصب بنظرهم المحذوف بقي المبتدأ الذي هو نظرهم بغير خبر محتاج إلى إضمار الخبر، وإن جعلت {أيهم أقرب} هو الخبر فلا يصح لأن نظرهم ليس هو {أيهم أقرب} وإن جعلت التقدير نظرهم في {أيهم أقرب} أي كائن أو حاصل فلا يصح ذلك لأن كائنًا وحاصلًا ليس مما تعلق.
وقال أبو البقاء: {أيهم} مبتدأ و{أقرب} خبره، وهو استفهام في موضع نصب بيدعون، ويجوز أن يكون {أيهم} بمعنى الذي وهو بدل من الضمير في {يدعون} والتقدير الذي هو أقرب انتهى.
ففي الوجه الأولى علق {يدعون} وهو ليس فعلًا قلبيًا، وفي الثاني فصل بين الصلة ومعمولها بالجملة الحالية، ولا يضر ذلك لأنها معمولة للصلة {ويرجون رحمته ويخافون عذابه} كغيرهم من عباد الله، فكيف يزعمون أنهم آلهة {إن عذاب ربك كان محذورًا} يحذره كل أحد.
و{إن من قرية} {إن} نافية و{من} زائدة في المبتدأ تدل على استغراق الجنس، والجملة بعد {إلاّ} خبر المبتدأ.
وقيل: المراد الخصوص والتقدير وإن من قرية ظالمة.
وقال ابن عطية: ومن لبيان الجنس انتهى.
والتي لبيان الجنس على قول من يثبت لها هذا المعنى هو أن يتقدم قبل ذلك ما يفهم منه إبهام ما فتأتي {من} لبيان ما أريد بذلك الذي فيه إبهام ما.
كقوله: {ما يفتح الله للناس من رحمة} وهنا لم يتقدم شيء مبهم تكون من فيه بيانًا له، ولعل قوله لبيان الجنس من الناسخ ويكون هو قد قال لاستغراق الجنس ألا ترى أنه قال بعد ذلك.
وقيل: المراد الخصوص انتهى.
والظاهر أن جميع القرى تهلك قبل يوم القيامة وإهلاكها تخريبها وفناؤها، ويتضمن تخريبها هلاك أهلها بالاستئصال أو شيئًا فشيئًا أو تعذب والمعنى أهلها بالقتل وأنواع العذاب.
وقيل: الهلاك للصالحة والعذاب للطالحة.
وقال مقاتل: وجدت في كتب الضحاك بن مزاحم في تفسيرها: أما مكة فتخربها الحبشة، وتهلك المدينة بالجوع، والبصرة بالغرق، والكوفة بالترك، والجبال بالصواعق.
والرواجف، وأما خراسان فعذابها ضروب ثم ذكرها بلدًا بلدًا ونحو ذلك عن وهب بن منبه فذكر فيه أن هلاك الأندلس وخرابها يكون بسنابك الخيل واختلاف الجيوش.
{كان ذلك في الكتاب مسطورًا} أي في سابق القضاء أو في اللوح المحفوظ أي مكتوبًا أسطارًا. اهـ.

.قال أبو السعود:

{قُلِ ادعوا الذين زَعَمْتُم} أنها آلهةٌ {مِن دُونِهِ} تعالى من الملائكة والمسيحِ وعُزيرٍ {فَلاَ يَمْلِكُونَ} فلا يستطيعون {كَشَفَ الضر عَنْكُمْ} بالمرة كالمرض والفقر والقَحطِ ونحو ذلك {وَلاَ تَحْوِيلًا} أي ولا تحويلَه إلى غيركم {أُولَئِكَ الذين يَدْعُونَ} أي أولئك الآلهةُ الذين يدعوهم المشركون من المذكورين {يَبْتَغُونَ} يطلبون لأنفسهم {إلى رَبّهِمُ} ومالكِ أمورِهم {الوسيلة} القربةَ بالطاعة والعبادة {أَيُّهُمْ أَقْرَبُ} بدلٌ من فعل يبتغون وأيُّ موصولةٌ، أي يبتغي مَنْ هو أقرب إليه تعالى الوسيلةَ فكيف بمن دونه؟ أو ضُمّن الابتغاءُ معنى الحِرص فكأنه قيل: يحرِصون أيُّهم أقربَ إليه تعالى بالطاعة والعبادة {وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ} بها {ويخافون عَذَابَهُ} بتركها كدأب سائرِ العباد فأين هم من كشف الضرِّ فضلًا عن الإلهية {إِنَّ عَذَابَ رَبّكَ كَانَ مَحْذُورًا} حقيقًا بأن يحذرَه كلُّ أحدٍ حتى الملائكةُ والرسلُ عليهم الصلاة والسلام، وهو تعليلٌ لقوله تعالى: {ويخافون عَذَابَهُ} وتخصيصُه بالتعليل لما أن المقامَ مقامُ التحذيرِ من العذاب وأن بينهم وبين العذاب بَونًا بعيدًا.
{وَإِن مّن قَرْيَةٍ} بيانٌ لتحتم حلول عذابِه تعالى بمن لا يحذره إثرَ بيانِ أنه حقيقٌ بالحذر وأن أساطينَ الخلق من الملائكة والنبيين عليهم الصلاة والسلام على حذر من ذلك، وكلمةُ إنْ نافيةٌ ومِنْ استغراقيةٌ، والمرادُ بالقرية القريةُ الكافرةُ أي ما من قرية من قرى الكفار {إِلاَّ نَحْنُ مُهْلِكُوهَا} أي مُخْرِبوها ألبتةَ بالخسف بها أو بإهلاك أهلِها بالمرة لما ارتكبوا من عظائمِ المُوبقات المستوجبةِ لذلك، وفي صيغة الفاعلِ وإن كانت بمعنى المستقبَل ما ليس فيه من الدِلالة على التحقق والتقرّرِ وإنما قيل: {قَبْلَ يَوْمِ القيامة} لأن الإهلاكَ يومئذ غيرُ مختصَ بالقرى الكافرة ولا هو بطريق العقوبةِ وإنما هو لانقضاء عمرِ الدنيا {أَوْ مُعَذّبُوهَا} أي معذبو أهلِها على الإسنادِ المجازيِّ {عَذَابًا شَدِيدًا} لا بالقتل والسبْي ونحوِهما من البلايا الدنيويةِ فقط، بل بما لا يُكتَنه كُنهُه من فنون العقوبات الأخرويةِ أيضًا حسبما يُفصح عنه إطلاقُ التعذيبِ عما قُيد به الإهلاكُ من قَبْلية يومِ القيامة، كيف لا وكثيرٌ من القرى العاتية العاصيةِ قد أُخّرت عقوباتُها إلى يوم القيامة {كَانَ ذَلِكَ} الذي ذكر من الإهلاك والتعذيب {فِى الكتاب} أي اللوح المحفوظ {مَسْطُورًا} مكتوبًا لم يغادَرْ منه شيءٌ إلا بُيِّن فيه بكيفياته وأسبابِه الموجبةِ له ووقتِه المضروبِ له. هذا وقد قيل: الهلاكُ للقُرى الصالحة والعذابُ للطالحة، وعن مقاتل: وجدتُ في كتاب الضحاك بن مزاحم في تفسيرها أما مكةُ فُيْخرِبها الحبشةُ وتهلِك المدينةُ بالجوع والبصرةُ بالغرق والكوفةُ بالتُّرك والجبالُ بالصواعق والرواجف، وأما خراسانُ فهلاكُها ضُروبٌ ثم ذكرها بلدًا بلدًا، وقال الحافظ أبو عمْرو الداني في كتاب الفتن: أنه رُوي عن وهْب بن منبّه أن الجزيرةَ آمنةٌ من الخراب حتى تخرَبَ أرمينيةُ، وأرمينيةُ آمنةٌ حتى تخرَب مصرُ، ومصرُ آمنةٌ حتى تخرَبَ الكوفةُ ولا تكون الملحمةُ الكبرى حتى تخرَب الكوفةُ، فإذا كانت الملحمةُ الكبرى فُتحت قُسطنطينةُ على يَديْ رجلٍ من بني هاشم، وخرابُ الأندلس من قِبَل الزَّنْج، وخرابُ إفريقيةَ من قِبَل الأندلس، وخرابُ مصرَ من انقطاع النيلِ واختلافِ الجيوش فيها، وخرابُ العراقِ من الجوع، وخرابُ الكوفة من قِبل عدوَ من ورائهم يحصُرهم حتى لا يستطيعون أن يشربوا من الفرات قطرةً، وخرابُ البصرة من قِبل الغرق، وخرابُ الأَيْلة من قبل عدوَ يحصُرهم برًّا وبحرًا، وخرابُ الرّيّ من الديلم، وخرابُ خراسانَ من قبل التّبْت، وخرابُ التبت من قبل الصّين، وخرابُ الهندِ واليمن من قبل الجرَاد والسلطان، وخرابُ مكةَ من الحبشة، وخرابُ المدينة من الجوع.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: «آخرُ قريةٍ من قرى الإسلام خرابًا المدينةُ» وقد أخرجه العمري من هذا الوجه. وأنت خبيرٌ بأن تعميمَ القريةِ لا يساعده السباقُ ولا السياق. اهـ.